التربية: الأبعاد النفسية للممارسات التربوية - صوت آسر أمين المسيري

15.12.20 11:51 AM بقلم Voice of Future Generations

التربية: الأبعاد النفسية للممارسات التربوية

إن البعد النفسي كان ولا يزال هو المفتاح الوحيد للتعامل مع أبنائنا ولتفهم ميولهم ورغباتهم واحتياجاتهم، وبالتَّالي التمكن من مساعدتهم في تحقيق تطلُّعاتهم نحو المستقبل، ولا تقتصر الحاجة لمراعاة البعد النفسي على المؤسسة التربوية فحسب بل وتمتد لتشمل كل عناصر المجتمع، وأهمها المكوِّن الأساسي وهو الأسرة ؛ فقد تقول الأم كلمة لا تلقي لها بالاً لكنَّ تأثيرها على الطفل يعدلُ الكثير سلباً أو إيجاباً، وقد يردُّ الأب على سؤالٍ من ابنه أو ابنته بطريقة ما ، فيترك ذلك في نفس الطفل أثراَ لا حدود له، وقد يوجه المعلِّم كلمةً لطالب ترسم خطوط مستقبله نجاحاً أو فشلاً. ويتضح لنا أن العامل المشترك، والذي تكمن فيه المشكلة الكبرى هو ما الفرق بين الاهتمام والإهمال، فمتى شعر الطفل بأن محيطه منشغل عنه بشكلٍ أو بآخرَ فتح ذلك عليه أبواباً من التراخي والإهمال والإحباط لا يعلم إلا الله مدى تأثيرها عليه.


وكثيراً ما حدث في التاريخ وعلى مرِّ العصور أن تشيع وتنتشر بعض المصطلحات والمفردات والمفاهيم التي قد لا نجد الفرصة للتوقف لمعرفة معانيها، لما قد يبدو من هذا التوقف أنه جهلٌ بما هو شائعٌ ومبذولٌ ومستقرٌ في الضمير المجتمعي العام، لكن تقع المسؤولية المباشرة، في التوقُّف والشَّرح والتوضيح، على المختصِّين في كل مجال وفي نشر المفاهيم التي تساعد غير المختصِّين في التعامل مع محيطهم الاجتماعي بشيءٍ من الفهم والوعي الحسيِّ والنفسيّْ. تقع المسؤولية المباشرة، في التوقُّف والشَّرح والتوضيح، على المختصِّين في كل مجال وفي نشر المفاهيم التي تساعد غير المختصِّين في التعامل مع محيطهم الاجتماعي بشيءٍ من الفهم والوعي الحسيِّ والنفسيّْ.


ومن بين هذه المفاهيم مصطلح علم النفس (سيكولوجي) وما تشير إليه الكلمة حسب تعريفات العلماء المختلفة والتي نرى أن أقربها للشمول هو تعريف جمعيَّة علم النفس الأمريكي بأنه العلم الذي يدرس السلوك الإنساني وعلاقته بالعقل بمعنى أنه يدرس كيفيَّة عمل العقل وتأثيره على السلوك.


وإذا انطلقنا من هذا المفهوم الجامع دون الخوض في تفاصيل التعريفات المختلفة يمكن أن نتفهَّم تلك العلاقة الوطيدة بين التأثيرات النفسيَّة على الطفل ومستوى الأداء الفردي والتحصيل الدراسي والتعلُّم الذَّاتي وغيرها من مُسرِّعات النُّمو العقلي والنَّجاح في الحياة.

تتمثل هذه التأثيرات النفسيَّة في صورة ردة فعل لعددٍ من الأفعال التي قد لا ينتبه لها الناس ، ولا يلتفتون لآثارها السلبيَّة على الطفل والتي قد تمتد ابتداءً من ضعف التحصيل وغياب الشغف وحتى العواقب لا حدود لها، ولا يمكن تصورها، ويكفي أن أقول: إنني لا زالت تعلق في ذاكرتي بعض المواقف والتي مر عليها ما يزيد عن أربعة عقود، ولازالت تشكِّل جزءًا من تقديري للأمور حتى كتابة هذا المقال.


ونخلص مما سبق إلى أمرين أساسيين:


أولهما: ضرورة انتباه المربِّين داخل المؤسَّسة التربويَّة وخارجها إلى الأثر النفسي على الأبناء الذي لا يعادله أثر آخر، وأن نفكر في كل كلمة أو فعل قبل القيام به متلمِّسين الطريق نحو القلوب قبل العقول.


وثانيهما: على الأبناء أن يلتمسوا العذر لمن يتعهَّدونهم بالتَّربية داخل المؤسَّسة التربويَّة وخارجها، وليعلموا أن ما من موقف يشعرون فيه بفقدان الاهتمام إلَّا كان – يقينًا - من غير قصد؛ فلا يمكن تصوُّر أن يكون في العرف العام للمربي - المعلِّم أو الوالد – الإهمال أو عدم الاهتمام، لكن سيبقى دائمًا المتعارف عليه أنَّكم أعزُّ مَنْ يمشي على الأرض في عيون الوطن، وأغلى من في الدُّنيا لدى والديكم، وأحبُّ الناس عند معلميكم.


طيَّب الله أوقاتكم


صوت آسر أمين المسيري
محاضر اللغة العربية - أكاديمية ديوا 
باحث في العلوم التربوية